الصائمين والخُلُوف الطيب !

الخُلُوف الطيب !
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "....لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك....." .
عندما تسْكن الأحشاء عن نشاطها وتنقبض على نفسها لانعدام الوارد عليها من المطعومات والمشروبات تنطلق منها أبخرة تتصعّد إلى الفم الجافّ فتتغير رائحة الفم، فتصبح كريهة تؤذي من يمسّه ريحها.
هكذا يحدث للصائم لاسيما في البلاد الحارة أو إذا كان يعمل في مهن مجهدة...
ليست هذه الأبخرة من أنواع الطيب وليس لها ريح المسك ، ومع ذلك فإنها عند الله أطيب منه ، فالله يقبل من عبده الصائم ذاك الأمر المكروه فيما لا يستطيع أحدكم قبول ذلك، لأنه بمثابة أفخر الطيب في قياسكم !
وفي حقيقة الحال فإن هذا ليس امتداحاً لتغير الرائحة وإنما امتداحٌ للصائم الذي تعتريه هذه الظواهر وهو يؤدي عبادته ويستسلم لأمره ويتنازل عن غرائزه وضرورياته للانفتاح على مقام الاتصال بالله تعالى، ولذلك يقول المناوي: (فُضِّل ما يُستكره من الصائم على أطيب ما يُستلذّ من جنسه ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم) ، وعلى هذا فهذا الحديث فيه ترغيب على الاستكثار من الصوم الذي يحدث بسببه هذا الخلوف.
وهنا فهمٌ جديدٌ يأخذ النص النبويّ على ظاهره وهو أن هذا الخلوف يصيبه أثرٌ من جراء رفقة الصيام فيكون في التقدير والاعتبار كريح المسك نفسه على سبيل المبالغة في تأكيد المعنى ، وهذا مثل دم الشهيد الذي يكنفه ريح المسك تعظيماً وتبجيلاً، وللكلاباذي في بحر الفوائد كلام حسن هنا : «وخلوف فمه أطيب عند الله تعالى من ريح المسك عند الخلق ، أي كما أنهم يحبون ريح المسك ويؤثرونه ويرضون به ويختارونه ، كذلك الله عز وجل يحب خلوف فم الصائم ويؤثره ويرضى به ويختاره» .
وهناك وجهٌ آخر في المراد وهو أنه إذا كان هذا في تغيّر ريح فمه فما ظنّك بصلاته وقراءته وقيامه