الأمراض النفسية بين الحقيقة والشائعات

عدى الأحد يونيو 16, 2013 2:23 pm

يعد تخصص الطب النفسي أحد أفرع الأمراض الباطنية, والطب النفسي يتعامل مع ثلاثة عناصر أساسية تشكل اتجاهات الفرد في الحياة, وهي: نمط التفكير, المشاعر, والسلوك, وهذه الأنماط الثلاثة تنظمها منطقة في المخ البشري يطلق عليها العقل, وهذه المنطقة تتكون من عدة مناطق أصغر ترتبط بعضها ببعض حيث تقوم الخلايا العصبية الموجودة فيها بإفراز عدد من المواد الكيماوية أو (هرمونات المخ) التي تنظم سلوك الفرد ومشاعره ووجدانه, وتنشأ الاضطرابات النفسية حين يحدث خلل في إفرازات هذه المواد, وهذا الخلل الكيماوي يحدث نتيجة تفاعل عوامل البيئة المحيطة بالفرد مع استعداده الوراثي للإصابة بالاضطراب أو نتيجة إصابة عضوية في المخ تؤدي أيضاً إلى اختلال تنظيم إفراز هذه المواد فتنشأ الاضطرابات النفسية المختلفة تبعاً لنوع المواد الكيماوية التي حدث فيها هذا الخلل, ومن هنا يتضح أن الاضطرابات النفسية شأنها شأن أي أمراض عضوية تحدث للإنسان, فأمراض الكبد تكون مصحوبة باضطراب في إنزيمات الكبد, وأمراض الكلى تكون مصحوبة باضطراب في وظائف الكلى, وأمراض الكلى تكون مصحوبة باضطراب في الكلى إلى آخره. وقديماً لم يكن الإنسان قد اكتشف بعد طريقة عمل العقل البشري وعليه فإن أي شخص كان يصاب باضطراب في سلوكه كان الناس يرجعون هذا الاضطراب إلى أسباب تتعلق بمس من الجن, ولذلك اصطلح على نعت المريض النفسي بكلمة مجنون (أي مسه الجن), ومن هنا كانت وصمة المريض النفسي حيث كانت الأسر التي يعاني أحد أفرادها المرض تحاول إخفاء هذه الحقيقة أو تلجأ إلى رجال الدين من المسحيين أو المسلمين وذلك لإخراج الجن من جسد الشخص المصاب, ومع تقدم العلوم الطبية بدأ اكتشاف المناطق الموجودة في المخ المسؤولة عن هذه الاضطرابات وبالتالي بدأت الأبحاث العلمية في محاولة إيجاد أدوية تساعد على تحسن هذه الأمراض, وفي عقدي الخمسينيات والستينيات تم اكتشاف بعض الأدوية لعلاج أمراض مثل أمراض الاكتئاب والعظام وذلك عن طريق المصادفة, فمثلاً كان العلماء يبحثون في بعض العلاجات لشفاء أمراض الدرن الرئوي وأثناء مراحل هذا البحث تم اكتشاف ما يعرف بمضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات.

حتى حقبة الثمانينيات ظلت هذه الأدوية تستخدم في علاج أمراض الاكتئاب ولكنها كانت تتسم بوجود أعراض جانبية شديدة ما قد يلجئ المريض إلى إيقاف العلاج مع عدم قدرته على تحمل الأعراض. وفي الثمانينيات ومع تقدم البحث العلمي تم اكتشاف كثير من المستقبلات في خلايا المخ المسؤولة عن حدوث المرض النفسي مع اكتشاف طريقة عمل هذه الخلايا بصورة أفضل وانطبق البحث العلمي في اكتشاف كثير من الأدوية التي تعمل بصورة أكثر دقة وتؤدي إلى نتائج جيدة مع محدودية أعراضها الجانبية وعدم خطورتها.

الأمراض النفسية بين الحقيقة والشائعات 175358_6562

وعلى الرغم من هذا فإن المقولة الشائعة عن علاج الأمراض النفسية إنه يسبب الإدمان, وهذه المقولة فيها خلط شديد, فإذا قلنا إن العلاج النفسي يسبب الإدمان فهل علاج ضغط الدم ومرض السكري إدمان؟ حيث إن الإنسان إذا ما أصيب بمرض ضغط الدم أو مرض السكري فإنه لا بد أن يأخذ علاجا مدى الحياة, وهنا نقول إن هناك اضطرابات نفسية حادة وأخرى مزمنة شأن جميع الأمراض الباطنية, والأولى تحتاج إلى علاج مؤقت أما الثانية وهي الأمراض المزمنة فهي مثلها كمثل مرضي الضغط والسكري تحتاج إلى علاج طويل الأمد، وما دام هذا العلاج تحت الإشراف الطبي المستمر ويتم تعاطيه بعد تشخيص جيد للحالة وبالجرعات المناسبة فإنه لا مخاوف منه مطلقاً, وأن أي أعراض جانبية تظهر من هذا العلاج شأنها شأن جميع الأدوية في التخصصات المختلفة يمكن التعامل معها دون أي خطورة على المريض طالما هناك رعاية طبية جيدة ومستمرة، ناهيك عن أن الاهتمام بعلاج الاضطرابات النفسية يؤدي إلى الوقاية من كثير من الأمراض العضوية بل إلى تحسين هذه الأمراض في الأشخاص المصابين بها، فمثلاً مرض الاكتئاب النفسي والقلق النفسي من الأمراض التي تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكري، وأن الأشخاص المصابين فعلاً بهذه الأمراض العضوية فإذا ما أصيبوا بالاكتئاب أو القلق فإن هذا يساعد على تدهور حالتهم الصحية، ولهذا آن لنا أن نغير الوعي والأفكار السلبية المعروفة عن هذا التخصص المهم من أجل حياة أفضل وتقدم أكبر للإنسان